الشيخ عثمان عبدالعزيز محمد.. علم من أعلام الأمة الإسلامية!

الشيخ عثمان عبدالعزيز محمد "رحمه الله" علم من أعلام الأمة الاسلامية!

الحمد لله أولا وآخرا ، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين ، محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد:
فإن الشيخ المغفور له  "ان شاءالله" ، شيخ المجاهدين ، سعادة الشيخ عثمان عبدالعزيز – رحمه الله – إذا ذكر كما قال الشيخ مصطفى المراغي عن حجة الإسلام : الإمام الغزالي – فقد تشعبت النواحي ، ولم يخطر في البال رجل واحد، بل خطر في البال رجال متعددون لكل واحد قدرته وقيمته ، يخطر في البال : الأصولي الحاذق الماهر، والفقيه الحر، والزاهد، وإن شئت فقل: يخطر بالبال رجل هو دائرة معارف عصره فى عصره، إضافة إلى هذا فإن له مميزات أخرى، يتميز بهن شخصية الشيخ، ويعطي له بهن صفاته الخاصة في التأريخ الإسلامي، ألا وهى نزاهة نفسه وزهده وورعه وإيمانه اليقيني، واطمأنانه القلبى، وابتعاده عن السلطات المتعاقبة، حيث إنه ماكان يؤيدهم قط ولا يحسن أعمالهم وأفعالهم أبدا، بل يوبخهم ويلومهم دائماً على صنيعهم الذميم القبيح، إضافة الى ذلك ينبؤهم ويذكرهم ويرشدهم الى رشدهم بإرسال الرسائل والوفود إليهم، نذكر كالمثال : حينما أخذ (عبدالكريم قاسم) زمام الأمور وصار زعيماً للعراق ، خطب خطاباً أذيع من الراديو ، ونشر في جريدة الثورة ما محتواه : إن الأكراد قوم رحل نزحوا من إيران في مناسبات وحوادث معينة في الزمان السابق ، وليس لهم وطن في العراق وسنطردهم من بلادنا.
حينما أذيع هذا الخطاب، أرسل سماحته في 17/4/1962م رسالة باسم علماء الدين في كردستان العراق جاء فيها: نرد على هذه الأقاويل التي لاتستند إلى الحقيقة  والواقع ، ونستنكرها بشدة لأنها تضر ولا تنفع ، ونعلن ونؤكد بأن القومية الكردية حقيقة ، وأن الشعب الكردي المسلم كان له دور بازر وتأريخ حافل بالأمجاد من العراق منذ آلآف السنين.. الخ ، كما أرسل مع سماحة العلامة الشيخ  (صالح  عبدالكريم – يرحمه الله ) رسالة الى (جمال عبدالناصر) رئيس ديار مصر، حينما أصدر قرارا بإعدام الداعية العظيم سيد قطب – رحمة الله عليه – دعواه فيها  الى نقض الحكم الصادر عليه.
وفي السبعينيات أى حينما أخذ الكورد حكما ذاتيا بقيادة ( السيد ملا مصطفى البارزاني) طلب منه باسم الشعب الكوردي المسلم وباسم علمائه الأماجد أن يوقروا ويحترموا مباديء الإسلام وأن يجعلوها في معاملاتهم اليومية كعقيدة وشريعة، خصوصا حينما أسس إتحاد علمائي إسلامي أرسل الى السيد البارزاني مذكرة، طلب فيها تأسيس  إقليم إسلامي، فبحسب ما أراه وافق البارزاني عليه، ولكن بعد فشل المفاوضات ورفض مطالب الكورد من قبل السلطات، رفضت المذكرة أيضا. ولا بد أن نذكر ولا ننسى حينما ألقت حكومة البعث المقبور القبض عليه وعلى أهل بيته ، ونفته الى الجنوب والوسط مدة غير قليلة.
وجدير بالذكر أن الشيخ عثمان كان مرجعا دينيا معتبرا لدى كل علماء المنطقة ، حيث إنهم راضون عن دينه وخلقه وعلمه الغزير الفياض ، واحتلت أقواله وفتاواه وخطبه مكانا مرموقابين الناس حتى صرن كما جاء فى المثل العربى : عند جهينة الخبر اليقين.
كما وأن له لنفسا كريمة نزيهة لاتقبل من أي أحد صدقة ولاهدايا، ولا تتوقع من الناس أية مساعدة مالية ، وإنه متغافل عن زلات وهفوات الناس عامة ، ولأقاربه وأصدقائه وتلامذته خاصة، حياء منه وكرما، لأن من عادة الفضلاء التغافل عن الزلات، والتقصير في اللوم والعتاب، قال الحسن: ما استقصى كريم قط . وقال سفيان: مازال التغافل من شيم الكرام.
فهذا درس عظيم من سماحته لعلمائنا الأعزاء الذين يدعون بأنهم ورثة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام – لأن يقتدوا به في أخلاقه وقيمه الكريمة وشيمه الفذة، كي لا يختلطوا بالسلطة العاتية الباغية، تلك السلطة التي تلبس الحق بالباطل  وتكتم الحق وتنبذه وراء ظهرها.. حتى لا يعدون من علماء السوء الذين أشار إليهم حجة الإسلام والمسلمين  الإمام محمد الغزالي ، المتوفى (505 - من هجرة المصطفى) في كتابه ( إحياء علوم الدين).

* إن شيئا آخر مما يتميز به الشيخ في زمانه وعصره، مدرسته العلمية التربوية الجهادي ، حيث إن طلابه الدارسين فيها كانوا متأثرين بفكرته النقية الزكية ، تلك الفكرة التي تنبثق من روح الإسلام العظيم ، وفي النتيجة تخرج تحت رعايته الكريمة جماعة من العلماء الربانيين المجاهدين، وكيف لا ؟ حيث إن الشيخ كان ينظر الى القرآن كمنهج حركي واقعي للحياة ، ويقول: لا بد أن نطبقه حرفيا في حياتنا اليومية ، وأن نجعله دستورا لديننا ودنيانا ، ولفردنا ومجتمعنا ، وللشعب والدولة..
لهذا وذاك كانت مدرسته ناجحة بين المدارس الأخرى فى المنطقة وتقدم بين الفين والآخر طائفة من العلماء المخلصين لدين الله، مدافعين عنه وعن وطنهم بأموالهم وأنفسهم، بعيدين عن السلطة والإدارات الدولية الغاصبة لحقوق الناس والمسلمين، هذا بعكس تلك المدارس اللاتي لا تنظرن إلى القرآن تلك النظرة، بل تنظرن إليه ككتاب سماوي مقدس مبارك ينتفع به المرضى ، و يكتب في ورقة أو إناء للشفاء، أو .. أو.. إذا نريد أن نذكر أسماء طلابه واحدا  تلو آخر ، يتضح لنا ما قلناه كل الوضوح.. هذا شيء تميز به سماحته بين أقرانه.

* وإن من إحدى أعماله المرموقة القيمة إعلانه للحركة الإسلامية في كردستان/العراق في 1987م في المهجر بعد طغيان الصدام الهدام على جماهير العراق عامة، وعلى كردستاننا الحبيبة خاصة، حيث رحل بأمر من الصدام وأعوانه  زهاء (5000) آلآف قرية و قصبة كردستان، إضافة إلى تشريد مئات الآلاف من الكرد، وإلقاء القبض على (182) ألفا من الشيوخ والنساء والأطفال باسم (الأنفال) ، ولا يزالون مفقودي الأثر ، وأضاف إلى جرائمه تلك، تشويشه لحقائق الإسلام بين شرائح الشعب وأبنائه بكل ما لديه من الإمكانيات المادية وغيرها.. ففي هذا الوقت أعلنت الحركة بقيادته دفاعاً عن دين الله وعن الوطن المدمر، وإنتقاما لكل تلك التدميرات لقرى ومدن كردستان والعراق ، وحماية عن بيضة الإسلام.
كانت تلك الحركة التي أعلنت آ نذاك ، ثالثة أكبر الحركات السياسية الكردستانية ، والتي كانت تمتلك قوة سياسية وعسكرية وجماهيرية ، ولها الحضور الدائم في الساحة ، حيث إن لها التواجد في أنحاء كردستان بالرغم من الضغوط الكثيرة عليها سواء قبل الأنتفاضة أو بعد الأنتفاضة واستطاعت الحركة أن تنشر فصائلها في معظم مناطق كردستان من القصبات المحيطة بمدينة أربيل إلى السليمانية ومنطقة هورامان وشهرزور وقلعة دزة وكرميان وقرداغ وزاخو.. الخ . وإن للحركة دورا بارزاً في مقاومة النظام العراقي قبل الأنتفاضة وبعد الأنتفاضة ، حيث قدم المآت من الشهداء إضافة إلى كوكبة من القياديين ، منهم الشيخ علي البياريي، والشيخ عبداللطيف الواذةيي، والشيخ علي السيويلي والشيخ عبد اللطيف البنجويني ، والشيخ مقداد والشيخ ملا شريف تغمدهم الله برحمته الواسعة وأسكنهم بحبوحة جناته.
كما وأن لها بعدا إقليميا حيث إن لها علاقات مع الدول المحيطة بالعراق، وبالأخص المملكة العربية السعودية ، والجمهورية السورية وتركيا وایران.. و..
إن إعلانه للجهاد وإصدار فتاواه ضد الطاغية ، وطلبه من العالم الإسلامي والإقليمي تعاونه لإزالة وإتاحة تلك الطاغية ، وتأسيس نظام إسلامي بحت مكانه في البلاد.. كل هذا يدل على شجاعته وإيمانه العظيم بأن الإسلام لا يرجع إلى مكانه الأصلي والحقيقي إلا بالجهاد والسعي وراء رسول الله سيدنا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – حيث إن رسول الله كما كان نبياً ورسولاً يأخذ الوحى من الله، ففي الوقت نفسه كان داعيا ناجحا ومجاهدا عظيما، وصاحب جماعة يفضلون الموت على الحياة في سبيل إعلاء كلمة الله العليا، حيث هاجروا من وطنهم وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ضد الكفرة المجرمين الظالمين آنذاك ، وملئوا الدنيا عدلا ورحمة.
 ومن صدقه وإيمانه بقضيته حماية الحركة من الإنشقاق والتفرقة حتى كان حيا يرزق ، مع كل تلك المحاولات – في الداخل والخارج – والضغوط من هنا وهناك لبث بذر الشحناء والبغضاء بين أبناء الحركة، ومع كل تلك المؤامرات الخبيثة إقليميا ودوليا ضد وحدة الحركة، وكان من أحدى شعاراته – رحمه الله – للمجاهدين، طلبه من المجاهدين حفظ وحدة الصف : (ده‌خیل كوڕگه‌ل وه‌حده‌تی صه‌ف بپارێزن)، ومع الأسف الشديد قد ظلم فى الأخير  من قبل جماعة لبسوا الحق بالباطل ، وكتموا الحق وهم يعلمون ، حيث إنهم تآمروا عليه تعاونا مع أقربائه لعزله من الرآسة للحركة واستطاعوا أن يعزلوه من وظيفته الرئاسية للحركة.!.

* إن من أهم ما يميز به بين أعماله الفذة ، تفسيره للقرآن العظيم باللغة الكردية في (15) مجلدا.
نعم إن تفسيره هذا يعد تفسيرا عصريا مرموقا في عصره الذي عاش فيه ومرغوبا بين العلماء والشباب والمثقفين الكرد، لأن منهج بحثه يصلح مع روح القرآن كمنهج واقعي حركي للحياة – كما قلنا سابقا – ويرى أن البشرية لن تجد الرشد، ولن تجد الهدى ولن تجد الراحة ولن تجد السعادة إلاحين ترد الفطرة البشرية إلى صانعها الكبير.
 يرى أن هذا القرآن – كما قال جل وعلا - .. يهدي للتي هي أقوم – يهدي في التنسيق  بين ظاهر الإنسان وباطنه .. وبين مشاعره وسلوكه ، وبين عقيدته وعمله .
 يرى يهدي للتي هي أقوم في علاقات الناس بعضهم ببعض أفرادا وأزواجا ، وحكومات وشعوبا ودولا وأجناسا.
 يرى أن هذا القرآن يهدی للتي هي أقوم في نظام الحكم ونظام المال ونظام الإجتماع ونظام التعامل الدولي اللائق بعالم الأنسان .
يرى أن القرآن على الإيمان والعمل الصالح يقيم بناء المجتمع..  فلا إيمان بلا عمل ، ولا عمل بلا إيمان.
فنحن هنا لا نريد تقييم تفسيره كاملا بهذه العجالة – لأنه من عمل أخينا الفاضل (الشيخ أحمد) المعروف بملا أحمد الشافعي، الذي كلفني بكتابة هذه السطور ، ولكن أحب مع ذلك أن ننبه القراء الأعزاء – كأمانة علمية – على ملاحظة واحدة فيه، وهو تفسيره لآيات الأسماء والصفات حسب آراء السلف والخلف، ومع ذلك يعدها من قسم المتشابهات اللاتي لا يعلمها إلا الله ، ويمثل في سورة الأعراف بكلمة (وجه ، يد ، جاء ربك ، استوى)  ويقول: إن الأمة الإسلامية جمعاء متفقة على أن هذه المعاني الظاهرة لهذه الكلمات  وأمثالها غير مراد! بينما جاء في كتب عقيدة أهل السنة خلاف ذلك  كما قال الشيخ الحكمي فى كتابه (معارج القبول) معبرا عن مراد أهل السلف في الأسماء والصفات ، حيث يقول: (كل ما ثبت الى لله عزوجل (من الصفات) الثابتة التي (أثبتها) هو سبحانه وتعالى لنفسه ، وأخبرنا باتصافه بها (في محكم الآيات) من كتابه العزيز.. كالوجه في (فأينما تولوا فثم وجه الله ) البقرة/115) وقوله: (كل شيء هالك إلا وجهه) القصص/88) وقوله تعالى: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذواالجلال والإكرام) الرحمن/26-27) وما شابه ذلك من (النفس) و(اليد).. أو ماجاء عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في الأحاديث الصحيحة ، ك(يد الله ملأي لا تغيضها نفقة..)  وجب له التسيلم والقبول ، والإمرار على ظاهره كما أتت عن الله تعالى ، وعن رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم – من غير تحريف لمعانيها ولا تعطيل للنصوص بنفي ما أقتضته من صفات كمال الله، وغير تكييف تفسير لِكُنهِ شيء من صفات ربنا، ولا تمثيل ولا تشبيه  شيء من صفات الله بصفات خلقه فهذا التفسير والتصور للأسماء والصفات لله تعالى مقترن بقول أئمة الهدى / من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الأئمة كأبي حنيفة ومالك والأوزاعي والثوري  وأبن عينية والليث بن سعد، وحماد بن زيد، و حماد بن سلمة ، والشافعي وأحمد وغيرهم قديما وحديثا من الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون.
فهذه ثلاث خصال من صفاته وأعماله جئت بهن مختصرة لإدخالهن في هذا البحث / راجيا من الله الغفار أن يغفر ويرفع بهن وبباقي أعماله درجاته في الجنة، وأن يجعله من الذين يحشرون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وفي الختام سلام منا عليه يوم ولد، و يوم مات، ويوم يبعث حيا. 

والصلاة و السلام على رسول الله سيدنا محمد و على آله و صحبه و كل من والاه
                                                                                
 أحد تلاميذه/  احمد كاكه محمود
 5 شعبان 1427 من هجرة المصطفى. 

 

بەروار2025/07/12سەردان 16